أبو القاسم الزهراويّ
هو أبو القاسم خلف بن عبَّاس الزهراويّ الأندلُسيّ، من أمهر الأطبّاء والجرَّاحين على مَرِّ العُصور، وهو يُعرَف باسم (Abulcasis) في أوروبا؛ لما قدَّمه من اكتشافات، وإبداعات أسعدت البشريّة، وقد وُلِد الزهراويّ في مدينة الزهراء الأندلسيّة، والتي يُنسَب إليها، وذلك في عام 325هـ، وتُوفِّي في عام 404هـ، وقِيل في رواية أُخرى إنَّه تُوفِّي عام 427هـ، ومن الجدير بالذكر أنَّه نشأ في بيئة علميّة، وعايَشَ الحضارة الإسلاميّة في الأندلُس في أوج ازدهارها، ويُعَدُّ الزهراويّ مثالاً دالّاً على روعة وعظمة الحضارة الإسلاميّة في تلك الفترة.[١] وتجدُر الإشارة إلى أنَّ المراجع التي تتحدَّث عن حياة الزهراويّ قليلة جدّاً، علماً بأنَّ أخباره لا يعرفها الكثيرون، إلّا أنَّه من خلال المعلومات القليلة التي وصلت عنه، يَظهرُ أنَّ الزهراويّ قد عَمِل في (مُستشفى قُرطبة) الذي أنشأه الخليفة عبد الرحمن الناصر، ومع عمله في المُستشفى تجلَّت خبرته في مَعرفة الأدوية المُركَّبة، والمُفردة، واستطاع أن يجمع بين تخصُّصَي الصيدلة، والطبّ، وكان الزهراويّ مُقتنِعاً بضرورة أن يُمارِس الطبيب الجِراحة بدلاً من الحلّاقين، والحجّامين -كما جَرَت العادة-؛ ولذلك مارَس الجراحة، وأبدع فيها، حتى أصبح اسمه مُقترِناً بالعمل الجراحيّ.[١] إنجازاته الطبيّة يُعتبَر الزهراويّ من الأطبّاء الشاملين، ومن أكثرهم إجادةً للطبّ؛ حيث لم يكتفِ الزهراويّ بكونه طبيباً جرَّاحاً، بل كانت له دراية في طِبّ الأسنان، والأورام السرطانيّة، وكان يتفقَّد مَرضاه، ويُسجِّل المُلاحظات، والتطوُّرات لحالاتهم؛ وذلك حتى يتمكَّن من دِراستها، والوصول إلى علاج لها، وهذا ما يُسمَّى في الوقت الحالي ب(التجربة السريريّة)،[٢] ومن الجدير بالذكر أنَّ للزهراويّ العديد من الإنجازات الطبيّة التي حقَّقها في مُختلَف المجالات، ومنها:[٣] الإسهامات البارزة في اختراع أدوات خاصَّة بالجِراحة، وصِناعتها، كأدوات فَحْص الأُذُن. التوصُّل إلى علاج الثؤلول، حيث يُعتبَر الزهراويّ أوَّل من توصَّل إلى هذا العلاج؛ وذلك باستخدامه لمادَّة كاوية، وأُنبوب حديديّ، حيث كان مُختَصّاً في العلاج بالكَيّ. استخدام الخطّافات المُزدوجة أثناء إجراء العمليّات الجراحيّة، حيث يُعتبَر الزّهراوي أوَّل من استخدمها. التوصُّل إلى طريقة لوَقْف نزيف الدم؛ وذلك من خلال رَبْط الشرايين الكبيرة، وقد سبق بذلك (أمبرواز باريه) في هذا الاكتشاف بمُدَّة تصل إلى 600 عام. الحديث عن مَرَض السرطان، حيث ذَكَر بعضاً من أنواعه، كسرطان الكلى، والرحم، والعين. الإسهامات الواضحة في مجال طبِّ الأسنان؛ حيث شَرَح كيفيّة قَلْع الأسنان بلطف، كما ذَكَر الأسباب التي تُؤدِّي إلى كَسْر الفكّ أثناء عمليّة قَلْع السنّ، وقد كانت له دراية بكيفيّة تنظيف الأسنان، وعِلاج الأضراس التي تَنبُت في غير مكانها، إضافة إلى أنّه عالج كُسور الفكَّين، وكان بارعاً في تقويم الأسنان أيضاً. البصمة الواضحة التي تركها في طبِّ النساء (التوليد، والجراحة النسائيّة)؛ حيث شَرَح طُرُق التوليد، والتي من بينها الولادات العسيرة، والحمل خارج الرحم، والإجهاض، وقد استطاع ابتكار آلةٍ لاستخراج الجنين الميّت، ويُعتبَر الزهراويّ أوَّل من استعمل آلات خاصَّة لتوسيع الرحم. مقدرته على تفتيت حصى الكلى، واستخراجها باستخدام أداة خاصَّة، كما أنّه استأصل أورام الأنف من خلال أداة شبيهة بالسِنَّارة. صُنع اللاصق الطبّي؛ إذ يُعتبَر الزهراويّ أوَّل من صَنَع لاصِقاً طبِّياً، وهو الشكل الذي يُستخدَم في العصر الحاليّ، كما أنَّه كان أوَّل من صَنَع خُيوطاً للجِراحة، حيث استخدَمها في عمليّة جراحة الأمعاء. تحضير أدوية مُختلِفة باستخدام التقطير، وتقنية التسامي، علماً بأنّه كان خبيراً بالأدوية بنوعَيها: المُركَّبة، والمُفردة. ومن الجدير بالذكر أنَّ الزهراويّ قد تميَّز عن غيره من الأطبّاء، والجرَّاحين؛ ويعود ذلك إلى عدَّة أسباب، من أهمِّها:[٣] استخدامه للأدوات الجِراحيّة في مُختلَف أنواع الجِراحات، وقد وَصَفها وَصْفاً دقيقاً، ووَضَّحها بالرُّسوم، كالمناشير العظميّة، والمثاقِب العظميّة بأنواعها. معارَضته لرأي العُلماء المُتعلِّق بالكَيّ، وأنَّ وقت الكيّ لا يَصلُح إلّا في الربيع؛ حيث ذَكَر الزهراويّ أنَّ الكيّ يَصلُح في أيّ وقت من السنة، وذَكَر أنَّ الحديد هو الأفضل للكَيّ، وهذا خِلاف ما ذَكَره العُلماء أنَّ الذهب هو الأفضل للكَيّ. تمكُّنه من اختراع آلة للناسور الدمعيّ، كما أنَّه كان أوَّل من اكتشف الهيموفيليا (نزف الدم)، ووَصَفها. أهمُّ كُتبه للزهراويّ العديد من المُؤلَّفات، والكُتُب، والأبحاث العِلميّة، ولعلّ أبرز هذه الكُتُب هو (كتاب التصريف لِمَن عَجِز عن التأليف)؛ وهو كتاب في الطبِّ، ويتحدَّث عن الجراحة، وقد تُرجِم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينيّة، وهو يُعتبَر موسوعة أساسيّة للطبِّ عند الجرَّاحين في الغرب، وذلك في القرن السابع عشر الميلاديّ، علماً بأنّه قد ظلَّ مَرجِعاً أساسيّاً، ومُهمّاً لطُلّاب الطبِّ في جامعات أوروبا في القرنَين: السادس عشر، والسابع عشر الميلاديَّين، كما ألَّف الزهراويّ كتاب (تفسير الأكيال والأوزان)، و(مقالة في عمل اليد) و(مُختصَر المُفرَدات وخَواصّها).[٣][٣] رأي العُلماء فيه شَهِد الكثير من العُلماء، والمُفكِّرين، والمُؤرِّخين لأبي القاسم الزهراويّ، كما أنّهم أشادوا بعِلمه، وكُتبه، ومن هؤلاء العُلماء:[٣] ابن حزم الذي تحدَّث عن الزهراويّ بوَصْفه أعظم الأطبّاء في الأندلُس. الحميديُّ الذي ذَكَر في الكتاب الذي ألَّفه عن أبي القاسم الزهراويّ أنَّه من أهل الفَضل، والعِلم، والدِّين. دونالد كامبل الذي ذَكَر تأثير الزهراويّ في أوروبا؛ حيث قال إنَّ طُرقه في الطبِّ، والجراحة، قد ألغت طُرق جالينوس، ورَفَعت مَكانة الجرَّاحين في أوروبا. المُستشرِقة الألمانيّة سيغريد هونكه التي تحدَّثت عن الزهراويّ، وذَكَرت أنَّه أوَّل من أوقف نَزْف الشرايين بطريقة جديدة، وناجحة. المُؤرِّخ جورج سارتون الذي وَصَف الطبيب أبا القاسم الزهراويّ بأنَّه أكبر جرَّاح في الإسلام. جوستاف لوبون المُؤرِّخ الفرنسيّ الذي ذَكَر أنَّ عِلم الجراحة يَدين بشكلٍ عامّ إلى العرب، وأنَّ أعظم الجرَّاحين العرب هو (أبو القاسم الزهراويّ).[٢]إقرأ المزيد على
موقع عالم المعرفة للجوال