¤غزوة أحد
وردت الإشارة إلى غزوة أحدٍ في القرآن الكريم في سورة آل عمران، حيث بدأ الحديث عنها بقول الله تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[١] واستمرّ الحديث عنها لستّين آية بعدها، وقد اقتضت حكمة الله -تعالى- أن تشمل حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحداث، والأزمات، والصعوبات، والمشاكل، والانتصارات، والنكسات، لتكون تلك الأحداث العظيمة سبباً للتشريع، ودرساً تستفيد منه الأمة الإسلامية فيما بعد، وفي الحقيقة أنّ معركة أحد كانت نكسةً للمسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان السبب في تلك الهزيمة مخالفة فريقٍ منهم لأوامر النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن على الرغم من تلك النكسة إلا إنّ قريش لم تحقّق مبتغاها، حيث كان الهدف من غزوة أحد استئصال المسلمين وتأمين طريق التجارة إلى الشام.[٢][٣]¤أحداث غزوة أُحد
أسباب المعركة بعد هزيمة قريش النكراء في معركة بدر وقتل الكثير من كبرائهم، سعى زعماء اليهود والمشركين جاهدين لإثارة الحميّة الجاهلية في نفوس أهل مكة للانتقام لقتلاهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ولاستعادة هيبتهم ومكانتهم بعد أن تزعزعت في عيون العرب بسبب هزيمتهم في معركة بدر، ومن الأسباب التي جعلت القرشيّين يسارعون لاتخاذ القرار بغزو المدينة المنورة؛ رغبتهم بتأمين طريق التجارة إلى الشام، وطموحهم باستئصال جماعة المسلمين قبل أن تتعاظم قوّتهم.[٤]¤التحضير للمعركة :
بعد عودة أبي سفيان سالماً بالعير إلى مكة، ذهب إليه بعض من قُتل آباؤهم وإخوانهم وأقاربهم في معركة بدر، وطلبوا منه المعونة بتلك الأموال في حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغزو المسلمين للأخذ بالثأر منهم، فوافق على طلبهم، وبدأ كفّار قريش بالاستعداد للغزو، وفي السابع من شوال من العام الثالث للهجرة، خرج أبو سفيان بن حرب على رأس جيش تعداده ثلاثة آلاف مقاتلٍ من قريش، وممّن أطاعهم من أهل تهامة وكنانة، وفي الطرف المقابل عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلساً لمشاورة الصحابة -رضي الله عنهم- في لقاء العدو، فكان رأي بعضهم الخروج لقتال العدو خارج المدينة المنورة، وكان الرأي الآخر التحصّن والقتال داخل أسوار المدينة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى ذلك، ولكن الغالبية كانوا متحمّسين للقتال ويريدون الخروج للقاء الكفار، فأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمّته وخرج بألف مقاتلٍ للقاء العدو في أحد.[٥] وفي الطريق غدر رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول بالمسلمين ورجع بثلاثمئة مقاتلٍ، ولما وصل المسلمون إلى موقع أحد، أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظّم الصفوف، فجعل ظهر الجيش لجبل أحد، ثمّ كلّف فرقةً من الرماة تعدادها خمسون مقاتلاً على رأسهم عبد الله بن جبير -رضي الله عنه- بحماية ظهر الجيش، وأمرهم بعدم ترك مواقعهم مهما كانت النتيجة، حيث قال لهم: (انضحوا الخيل عنَّا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت الدَّائرةُ لنا أو علينا فالزموا أماكنكم، لا تُؤتينَّ من قبلكم).[٦][٥]
¤مجريات المعركة
بدأت أحداث المعركة بعد اصطفاف المسلمين والمشركين في أرض أحد، حيث اشتعل القتال حول لواء الكفار، وكان من عادات قريش أن يحمل لواءهم بنو عبد الدار، وكانت الراية في بداية المعركة بيد طلحة بن أبي طلحة العبدري الذي كان أقوى وأعظم فرسان قريش، وكان يُلقّب بكبش الكتيبة، فخرج على جملٍ يطلب القتال وهو يحمل الراية، فلما رآه المسلمون أحجموا عن قتاله لما له من الهيبة ورباطة الجأش، فانطلق نحوه الزبير بن العوام -رضي الله عنه- كالسهم، وقفز فوق جمله فأسقطه أرضاً وبرك فوقه، ثمّ قتله، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزبير بن العوام يقتل كبش الكتيبة قال: (إنَّ لكل نبيٍّ حواريًّا وحواريَّ الزُّبير).[٧][٨]
التحمت الصفوف وحميَ وطيس المعركة، وأسرع عثمان بن أبي طلحة العبدري شقيق كبش الكتيبة نحو لواء المشركين ورفَعه، فانبرى له حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وقتله، فحمل اللواء أخوهم الثالث أبو سعدة، فأسرع نحوه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وقضى عليه، ثمّ خرج مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فقُتل، ثمّ خرج كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقُتل، ثمّ الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقُتل أيضاً، فكانت مأساةً بالنسبة لبيت أبي طلحة العبدري، حيث قُتل منهم ستّة الواحد تلو الآخر.[٨]
¤أصرّ بنو عبد الدار على رفع الراية
على الرغم من كلّ ذلك، فكان كلّما قُتل أحدٌ أخذها الآخر، حتى قُتل عشرةٌ من بني عبد الدار، فخرج مولى حبشي لبني عبد الدار اسمه صواب ورفع الراية، وقاتل قتالاً أشدّ من السابقين جميعاً، حتى قطعت يده، ثمّ قطعت الأخرى، ثم قُطع رأسه وسقطت راية المشركين ولم تُرفع بعدها، ولما شاهد المسلمون ما حلّ براية الكفار ارتفعت معنوياتهم، وخارت عزائم المشركين، وانتفض أبطال المسلمين ومنهم حمزة بن عبد المطلب، وأبو دجانة، ومصعب بن عمير -رضي الله عنهم- جميعاً، وأخذوا يخترقون صفوف الكفار، ويقتلونهم ذهاباً وإياباً، وما هو إلا وقت قصير حتى بدأ جيش قريشٍ بالهروب، تاركاً وراءه النساء، حتى قال الزبير بن العوام: "لقد رأيت خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير".[٨]
¤مخالفة الرماة لأمر النبي
ظنّ الرماة أن المشركين لن يعودوا بعد أن عاينوا فرارهم، فنزل عددٌ منهم طلباً للغنيمة، وخالفوا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بعدم ترك أماكنهم، وعلى الرغم من تذكير أميرهم إلا إنّهم أصرّوا على ترك مواقعهم، وعندها لمح خالد بن الوليد تلك الثغرة، وكان في ذلك الوقت في صفوف المشركين، فالتفّ من خلف الجبل ومعه فرقةً من فرسان قريشٍ، وقتلوا من تبقّى من الرماة على الجبل، وانكشف ظهر جيش المسلمين لخالد فباغتهم من الخلف، فاضطربت صفوفهم، ووقع القتل فيهم، ورجع جيش المشركين وأحاط بالمسلمين من جميع الاتجاهات، وأخذوا بالانسحاب من أرض المعركة، وانقلب النصر المحقّق إلى نكسةٍ عظيمةٍ.[٩] وصل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحابة -رضي الله عنهم- استبسلوا بالدفاع عنه حتى قُتل عشرةٌ منهم، وتصدّى طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- لهم حتى شُلّت يده، ثمّ اجتمع المسلمون حول النبي عليه الصلاة والسلام، وصعدوا به إلى شعبٍ في الجبل، ثمّ غسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الدم عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسكب الماء على رأسه، وسرعان ما حزم الكفار أمتعتهم وتوجّهوا تلقاء مكة مخلّفين وراءهم اثنان وعشرون قتيلاً، أمّا المسلمون فكان عدد قتلاهم سبعون شهيداً.[٩]
إقرأ المزيد على
موقع عالم المعرفة للجوال